الحاصلون على منحة "آفاق" للسينما 2025 يواجهون مستقبلاً ضبابياً ويعيدون صياغة صناعة الأفلام في المنطقة العربية
12 / 12 / 2025
حين يدفع الفقر والهجرة وتغيّر المناخ والحرب بأنفسهم إلى مقدمة مجالنا البصري، بل وينغرسون في مخيلتنا، في نسيجنا الاجتماعي، كيف يمكن أن نبدأ في تصوّر آثارهم؟ ماذا يحدث لصورنا المتحركة؟ لصناعة الأفلام؟
هذه الأسئلة، بطريقةٍ أو بأخرى، هي ما يتناوله 25 مشروعاً فازوا بمنحة السينما من "آفاق" لهذا العام، وهم يوجّهون عدسات كاميراتهم نحو مشاهد درامية معقدة، لكنها، في نهاية الأمر، مستَمَدة من واقع صناعها.
من التنقل بين الأنواع السينمائية، والخروج عن التيمات وأساليب السرد التقليدية، وصولاً إلى مواجهة شجاعة مع قتامة المستقبل وضبابيته - كل ذلك وأكثر يتجلى في مجموعة متنوعة وقوية من الأفلام القصيرة والطويلة. تتراوح أحداث هذه الأعمال بين بلدة كردية صغيرة -في أقصى المشرق العربي- تُضَم إلى حقل نفط مجاور، ومدينة المحمدية المغربية الصغيرة حيث يرى صياد شاب القمر مكتملاً ينشق إلى نصفين. وبينهما نرى البرق يضرب فتتحقق أحلام شاب فلسطيني بأن يصبح نجم روك آند رول، لكن بثمن. ورحلة بحث عن "فيديو جيم" تُرِك في منزل أصبح الآن تحت سيطرة قوات الدعم السريع تجلب لصبي سوداني صديقاً غريباً: قناصاً مراهقاً من الطرف المقابل في صراع وحشي. وكاميرا قُدِّمت كهدية تحمل في داخلها صوراً ظن رجل سوري مقيم في برلين أنه تركها وراءه. تقدم كل هذه الأفلام وأكثر ما هو جديد في تناولها للصورة، وللذاكرة، وللتوثيق، ويرتكز جميعها في جوهره على طروحات سردية قوية.
لاختيار المشاريع الـ25، قيّمت لجنتا تحكيم طلبات دورة منحة السينما لعام 2025، إحداهما للأفلام القصيرة، والأخرى للأفلام الطويلة.
ضمت لجنة الأفلام القصيرة المخرجة اللبنانية نور عويضة، والمنتج السينمائي المصري محمد تيمور، والناقد السينمائي السعودي أحمد العياد. بينما تألفت لجنة الأفلام الطويلة من المديرة التنفيذية والمبرمجة في سينما "ميتروبوليس" اللبنانية هانيا مروة، والمخرج الجزائري كريم موسوي، والمخرج والكاتب السينمائي السوري نضال الدبس. وبعد المداولات، أصدرت لجنتا التحكيم البيانات التالية:
بيان لجنة التحكيم - الأفلام القصيرة
تعبّر اللجنة عن تقديرها العميق لجميع الأفلام المقدّمة هذا العام، والتي تميّزت بتنوّع لافت في المواضيع والأساليب والرؤى. اتسمت هذه الأعمال بجرأة في الطرح، وابتكار في الشكل والمضمون، ما يعكس حيوية المشهد السينمائي العربي من أقصى شرقه إلى غربه.
أثارت المشاريع التي خرجت عن القوالب المعتادة، وطرحت أسئلة جريئة حول الواقع الاجتماعي والسياسي الراهن، واستكشفت مفاهيم الذاكرة والتوثيق بطرق إبداعية غير تقليدية، اهتمام اللجنة بصفةٍ خاصة. تعكس هذه التوجّهات ملامح مشهدٍ سينمائي عربي غنيٍّ بالتجارب، يبحث في الخيال عن مساحةٍ للتفاعل مع الواقع وأثقاله.
كان اختيار المشاريع النهائية مهمة شاقة وملهمة في آنٍ واحد، نظراً لغنى وتنوّع الطلبات وقوّتها. ونود التأكيد على أن قرارات الدعم التي اتخذناها تراعي اعتبارات أخرى بجانب الاعتبارات الفنية، سواء كانت إنتاجية واستراتيجية متعدّدة، تسهم في إنجاح المشروع واستدامته.
ختاماً، نشجع صنّاع وصانعات الأفلام على التمسّك بشغفهم/ن وإصرارهم/ن، ومواصلة البحث عن مسارات بديلة للتمويل والإنتاج، والإيمان الدائم بقدرة السينما على التجدد، والتكيّف، وفتح آفاق جديدة للتعبير الخلّاق.
بيان لجنة التحكيم - الأفلام الطويلة
تعبر اللجنة عن شكرها لآفاق لدورها الهام في دعم السينما العربية، وتهنئ السينمائيين الحاصلين على المنح وتتمنى لهم النجاح في إنجاز مشاريعهم. كما تعبر عن تقديرها لكافة السينمائيين الذين تقدموا بمشاريعهم، والتي دلت على طموحهم الإبداعي وإصرارهم على صنع سينما عربية جديدة رغم كل الصعوبات التي تواجه العمل الفني في منطقتنا.
إن قسوة الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية وتعقيداته، خاصة في السنوات الخمس عشرة الماضية، دفعت السينمائيين العرب إلى البحث عن فضاءات أوسع للتعبير، عبر اقتراح أشكال فنية جديدة وانحياز قوي للتعبير عن الهم الاجتماعي والسياسي والنفسي للإنسان العربي كجزء من الهم الإنساني العام، متخطية الحدود والثوابت والممنوعات التي تعيق هذا الانحياز.
لمست اللجنة في المشاريع التي ناقشتها رغبة داخلية عند السينمائيين في التحرر من الضيق الذي يفرضه السائد، شكلاً ومضموناً، والاشتباك المباشر مع قدسية المفاهيم والمؤسسات الحاكمة مثل الدولة أو الوطن أو العائلة أو المؤسسة الدينية أو أية منظومة فكرية سائدة.
تمثَّل ذلك عبر استحضار أنواع فنية ليست مألوفة في السينما العربية، سواءً كانت خيالاً علمياً أو تشويقاً أو فانتازيا، أو حتى أفلام الرعب، واقتحام فضاءات جديدة تمتد من قسوة الاغتراب إلى جحود المدينة وأحزمة الفقر حولها، والاتجاه جنوباً نحو الريف المهمش والصحراء المنسية، ليس حنيناً للماضي أو محاولة لعرض الواقع الحاضر، بل من أجل مواجهة المستقبل الذي يبدو ضبابياً ومظلماً وأبوكاليبسي أحياناً.
تعبر اللجنة عن أملها وثقتها في أن سعي السينمائيين العرب إلى اللعب في فضاء أوسع شكلاً ومضموناً سيفتح أفاقاً واحتمالات جديدة لمعنى الفيلم السينمائي العربي ودوره الفني والإنساني.
المشاريع المختارة