عن التشبث بالتاريخ: إعلان الفائزين بمنحة آفاق لبرنامج الفنون البصرية لعام 2025
4 / 9 / 2025

ماذا يفعل المرء عندما تُمزق هويته ويُدمر ما يرافقها من تاريخ؟ بالنسبة لكثير من المشاريع الـ24 المُختارة لبرنامج منحة آفاق للفنون البصرية لعام 2025، جاءت الإجابة عبر اللجوء إلى ما هو تجريبي الشكل، وغير مألوف السردية، وإلى الأساليب الشفهية والمستلهمة من الأساطير، كطرق للتشبث بالتاريخ الذي يحاوطنا.

هذا التشبث -سواء في مشاريع توثق وقائع وحقائق صعبة كالتغيرات الجغرافية والاجتماعية في مخيمات اللجوء في غزة، أو في مشاريع متخيلة تقدم تأملات حول التوازن بين الدوام والزوال كما يتجلى في زهور تنمو على قبر جدّة راحلة- هو طريقة لتأكيد الفعالية، وطريقة لمقاومة وسائل الهيمنة كبرى كانت أم صغرى.

تجد المشاريع إمكانات لبناء أرشيفات من خلال مصادر كلاسيكية، مثل المواد البصرية التي توثق حياة وأعمال امرأة رائدة في المشهد المبكر للأفلام الوثائقية في مصر. لكنها في الوقت نفسه تلجأ إلى مصادر غير مألوفة وأكثر هامشية: مكالمات الفيديو، الأحاديث المسجّلة أثناء لعبة طاولة، أو معارف السكان الأصليين عن الماء، أو الترسبات الكامنة في مقامات الموسيقى العربية. وتلتقي المشاريع التي قدّمها 16 فناناً فردياً وثماني مؤسسات ومجموعات على أهمية المقاربات المرتكزة على السياق وخصوصيات المجتمعات، سواء عبر خلق فضاءات ملموسة -من معارض وورش عمل ومراكز ثقافية أعيد تخيلها- أو عبر ما هو غير ملموس، كما في الرسوم المتحركة للأطفال المتأثرين بالحرب.

خلال فترة التقديم، تلقّت آفاق 379 طلباً، عُرضت أولاً على لجان قرّاء للتقييم الأولي. وضمت هذه اللجان كلاً من: ريا بدران (لبنان)، وجمانة منّاع (فلسطين)، وملك حلمي (مصر)، وأمين السادن (العراق)، وتولين توق (الأردن)، ورندا معروفي (المغرب). قُدمت الطلبات التي اجتازت هذه المرحلة إلى لجنة من المحكمين المستقلين تألفت من الفنانة الجزائرية أمينة منيا، والأكاديمية اللبنانية ياسمين نشابة طعان، والفنان الفلسطيني بنجي بوياجيان.

وفي ختام اجتماعهم، أصدر المحكمون البيان الآتي، الذي لخص انطباعاتهم والدوافع التي وجهت اختياراتهم:

    "عكست طلبات التقديم لبرنامج الفنون البصرية لدورة 2025 ثراءً ملحوظاً في الموضوعات، وتنوعاً جغرافياً واسعاً امتدّ من المغرب العربي حتى بلاد الشام، مع حضور بارز للطلبات القادمة من فلسطين.

    بوجه عام، تعامل معظم المتقدمين مع الواقع السياسي المتغير في المنطقة بقدر كبير من الكرامة والحذر، مستجيبين لظروف الإبادة الجماعية والحرب والنزوح والهجرة.

    برزت تيمتان متكررتان هما الهوية والأرشيف، في إشارة واضحة إلى الحاجة الماسة لمواجهة المحو الممنهج للذاكرة الجماعية، وتدمير الثقافة المادية، وتفكيك النسيج الاجتماعي للعالم العربي في ظل عقود من الحروب الإمبريالية المفروضة على المنطقة. اصطدمت العديد من المشاريع بإرث استعماري وعرقي وأبوي عالق لم يتبدد، وسعت إلى مواجهة الخطابات المهيمنة، مع وضع التجارب الحية في الصدارة، مستحضرةً أحداثاً وشخصيات تاريخية من أجل تأكيد الوكالة في السرد. كما كان هناك حضور قوي للأعمال التي صاغت تصورات بديلة للعالم العربي، متذكرة التراث والعلاقات الجماعية من خلال استدعاء التقاليد العابرة للحدود والجماليات المشتركة، أو استلهام التاريخ الشفوي والطقوس والأساطير.

    في ضوء السياق السياسي في المنطقة، أظهرت المشاريع كيف يتصارع الفنانون مع الماضي سعياً لتمثيل آفاق وتخيّل مستقبلات بديلة.

    ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الثراء، لاحظت اللجنة غياباً نسبياً للمقترحات التي تتناول القضايا البيئية أو الممارسات التعاونية المتجذرة في المجتمعات.

    في عملية الاختيار، سعينا إلى الحفاظ على التزامنا بالتنوع، ليس فقط من الناحية الجغرافية والديموغرافية، بل أيضاً في أنماط التفكير والاستراتيجيات الفنية والوسائط وأشكال إنتاج المعرفة. أعطينا الأولوية للامركزية، وسعينا إلى إعادة توزيع فضاء الحس الجمعي، عبر دعم الفنانين والمبادرات من السياقات والمجتمعات التي يقل تمثيلها وغالباً ما تفتقر إلى فرص التمويل.

    ظلت جودة الإنتاج الفني محور تقييمنا، لكننا تعاملنا معها بوعي بالأدوات المتاحة، والنُهُج الجمالية المختلفة، وأشكال التعبير التي تقاوم المعايير المفروضة، وسعينا، عوضاً عن ذلك، إلى تقييم المقترحات ضمن أطر سياقية خاصة. أولى التقييم أهمية للمشاريع التي تكشف ما طال قمعه أو تجاهله، خاصة تلك التي تستعيد التاريخ المقموع، وتحافظ على الأرشيفات المهددة، وتعالج الظروف السياسية والاجتماعية الملحة. كما أولينا اهتماماً بالمقترحات التي تدعم المجتمعات الفنية المهمشة، والتي تتعامل مع المحلي كمساحة للابتكار، وتعمل على الحفاظ على الممارسات الخاصة بثقافات بعينها. تجنبنا طوال عملية الاختيار إعادة إنتاج النظرة الغربية، وناقشنا بشكل نقدي الأجندات المؤسسية الكامنة وراء الطلبات ومواقفنا كأعضاء في لجنة التحكيم."

المشاريع المختارة