حفظ ما يتلاشى، وإعادة النظر في البديهي، وصناعة الفضاءات: مشاريع منحة التدريب والنشاطات الإقليمية لعام 2025 من "آفاق" تطرح تصورات لإمكانات التلاقي
28 / 11 / 2025

في وجه الحرب، والمحو والتهميش الثقافيين، والانهيار البيئي، والصدمات التي لا تهدأ، ما الذي يمكن لفعل التلاقي، هنا والآن، أن يقدّمه؟ المشاريع الـعشرون المختارة لمنحة التدريب والنشاطات الإقليمية لعام 2025 من "آفاق" تحمل إجابات مبتكرة على هذا السؤال الملح.

بالنسبة إلى بعضها، تكمن الإجابة في القدرة على ترميم ماضٍ تلاشى أو يوشك على الزوال: ميدان عام في الخرطوم يُعاد تخيّله على الإنترنت، البيئة الصوتية في سوريا تُحفظ في أرشيف رقمي، موسيقى "اسبينيات" الموريتانية تُصاغ وتُؤصَّل.

كذلك يتيح فعل التلاقي إمكانية إنتاج معرفة جماعية في مواجهة العنف الاستعماري. ماذا يعني أن نعيد اليوم قراءة نصوص فرانز فانون؟ أن نعيد التفكير في معنى التعاطف؟ أن نفهم كيف يتحوّل ماء أراضينا إلى سلاح في اقتصاديات الاستخراج؟ هل يمكننا حكي قصصنا نحن من خلال نشر راديكالي في العراق، بعيداً عن السرديات الاستعمارية السائدة؟ وماذا يعني أن نصنع فيلماً عند تقاطع الصناعة السينمائية والممارسة البيئية؟

بعض المشاريع يسعى إلى خلق مساحات في أماكن لم يكن متصوّراً أن يكون ذلك ممكناً فيها: خيمة في غزة تُهيَّأ كملاذ للأطفال يصلهم من جديد بخيالهم، عروض أفلام في صعيد مصر أو في مناطق التعدين بتونس، مكان للالتئام والاستشفاء.

تتنوع هذه التيمات في أشكالها بين برامج عامة، وورش تدريبية، ومحاضرات، ومنصات رقمية للتوثيق، ومبادرات للأرشفة وصون الذاكرة، إضافةً إلى مهرجانات وفعاليات من مختلف أنحاء المنطقة.

جرى تقييم 372 طلباً قُدم هذا العام من قِبل لجان قراءة ضمّت: المخرجة والقيّمة والكاتبة داينا آش (لبنان)، ومديرة المشاريع الثقافية غيثة خالدي (المغرب)، والكاتبة والصحفية رنا يازجي (سوريا)، والقيّمة والصحفية أمنية شوكت (السودان)، والمديرة التنفيذية لـ"فيلم لاب فلسطين" علا سلامة (فلسطين).

أسفرت تقييمات لجان القراء عن اختيار مجموعة من الطلبات تناولتها بالفحص والتدقيق لجنة التحكيم المكونة من: الأكاديمية الأردنية سمر دودين، والكاتبة التونسية فاطمة شريف، والمديرة التنفيذية والإبداعية المصرية شيماء رمزي. وبعد مداولاتهم واختيار الحاصلين على المنح، أصدر أعضاء لجنة التحكيم البيان التالي:

    "المشاركة في لجنة تحكيم الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق" هي في آنٍ معاً متعة ومسؤولية. كل طلب يقدَّم هو بمثابة شهادة على شجاعة الفنانين والعاملين في المجال الثقافي في المنطقة وعلى مثابرتهم الإبداعية، فأولئك هم من يواصلون التخيل والتوثيق وخلق الأعمال في ظل العنف والتهجير والمحو.

    تعكس صعوبة الاختيار بين مشاريع على هذا القدر من الاشتباك العميق ليس فقط مستوى رفيعاً من التميُّز الفني، بل أيضاً التزاماً مشتركاً بالحقيقة والرعاية والمجتمع.

    استقبل برنامج "آفاق" للتدريب والنشاطات الإقليمية لهذا العام 372 طلباً، اختير منها 20 مشروعاً. وجاءت المشاريع المختارة من 11 بلداً، لتقدم تنوعاً لافتاً في المجالات والأفكار والمقاربات.

    لفتنا هذا العام بشكل خاص المشاريع التي تخطت مجرد الشكل الفني لتُعمّق معارفنا المشتركة، مبادرات واجهت قضايا الاستعمار والذاكرة والصدمة، وتطرقت إلى إلحاحات الانهيار البيئي والتهجير، وشيّدت فضاءات تعاون متجذرة في المجتمعات.

    تأثرنا على نحو خاص بعدد من المشاريع التي تناولت تحديات اجتماعية-سياسية مهمة، إذ دمجت عدة مقترحات عناصر بحثية وأرشيفية قوية، ساعية إلى توثيق أماكن مهددة، أو حماية الذاكرة الثقافية، أو إبراز تواريخ اجتماعية مُغفَلة.

    ورغم المستوى الرفيع للمشاريع عموماً، إلا أننا تمنينا رؤية المزيد من التعاونات الإقليمية في مشاريع تعزز العمل المشترك عبر البلدان العربية. وكذلك، في فئة التدريب وبناء القدرات، لا يزال هناك مجال للابتكار المنهجي الذي يعكس تعقيد أنظمة المعرفة وبيئات التعلم في حاضرنا.

    تكشف المشاريع المختارة عن رغبة متزايدة -وحاجة مُلحة- لإعادة التفكير في الممارسات الفنية والثقافية في ضوء الواقع الراهن، وتُظهر ارتباطاً وثيقاً بين البحث والتأمل وتراكم المعرفة، ضمن سياق تاريخي وسياسي وَصَمَتْه الإبادة في غزة، والتي هزت النسق المعرفية المستقرة في عمقها. لقد ولّدت هذه الهزّة عزيمة متجددة لمساءلة أطرنا ومنهجياتنا، ما أفضى إلى مقترحات متجذرة بقوة في رؤية مناهضة للاستعمار."

المشاريع المختارة