مقابلة مع مي زايد: "عاش يا كابتن"
8 / 3 / 2022

1- يدور فيلمك الوثائقي الأول "عاش يا كابتن" حول أحلامنا التي نسعى خلفها مهما كلف الأمر، وبغض النظر عن المحيط الذي نشأنا فيه. كيف دفعتك هذه الثيمة الأساسية إلى التفكير في عرض الفيلم خارج الدوائر الاعتيادية (المهرجانات وصالات السينما وغيرها)؟ هل راودتك هذه الفكرة منذ بداية العمل على الفيلم أم أنها استجدت بعد عرضه؟

  • م. ز.: واقع الحال أن فكرة الوصول إلى الجمهور الأوسع ممّن لا يحضرون المهرجانات، أو لا يستطيعون شراء تذكرة لحضور الفيلم بالسينما، كانت تراودني منذ بدء العمل على الفيلم.

    عملت على الحملة الترويجية للفيلم منذ العام 2019، أي قبل عامٍ من إنهائه. كنت متأكدةً مع أول مونتاجٍ للفيلم أن هذه القصة ستلهم جماهير مختلفة حول العالم، لا سيّما الأطفال والشباب. أردت أن أصل إلى هذا الجمهور. فدائماً ما نشكو نحن، صناع الأفلام المستقلين\ات، من عدم قدرتنا على الوصول للجمهور الذي يمكنه مشاهدة أفلامنا. لذا اتخذت قراراً بالبحث عن الجمهور بنفسي والذهاب إليه لعرض الفيلم. حينها لم أكن أعلم أن الفيلم سيُوزع على نطاقٍ واسعٍ وسيُعرض على نتفلكس. لذا كنت أفكر في هذا النمط من التوزيع البديل طوال الوقت. بالتأكيد ساعد على ذلك النجاح الذي حققه الفيلم في المهرجانات وعلى نتفلكس. كل المنظمات غير الحكومية التي تواصلت معها تعرف الآن عن الفيلم وتهتم كثيراً بعرضه في فضاءاتها المختلفة.

2- قمت مؤخراً بعرض فيلم "عاش يا كابتن" في دارٍ للعجزة بمخيم شاتيلا في لبنان. تبع ذلك عددٌ من العروض في مناطق لبنانية أخرى (كمنطقة المينا بطرابلس ومنطقة البقاع). هل لك أن تطلعينا على المزيد فيما يخص عرض الفيلم في مقار المنظمات غير الحكومية المحلية ومراكز المؤسسات التنموية في لبنان؟

  • م. ز.: كما ذكرت سابقاً، بدأت العمل على الحملة الترويجية باكراً لأنني استشعرت دور الفيلم في التغيير الاجتماعي وتأثيره الحقيقي على الأرض. يكسر الفيلم النظرة النمطية للنساء، ليس فقط في مصر أو العالم العربي، بل في كل مكان. فالجانب الإنساني في الفيلم يخاطب قلوب الجمهور كباراً وصغاراً، وهو ما من شأنه أن يغيّر نظرة الجمهور للجندر والنساء والرياضات غير المألوفة كرفع الأثقال وغيرها. أشعر أن الفيلم يُحدث تأثيراً على الأرض، وكثيراً ما أتلقى ردود أفعال إيجابية حول العالم من الجمهور الذي تفاعل مع القصة وأبطالها. في الوقت ذاته، أحدث الفيلم تغييراً في إدراك أفراد هذا الجمهور لبعضهم البعض.

    عملت طويلاً على الوصول إلى جمهورٍ أوسع خارج المدن الكبرى بدايةً بمصر وقد نظمنا بالفعل جولة من العروض في مدن وقرى مصرية متعدّدة. بينما كنت أعمل على هذه الخطة، وردني بريدٌ إلكتروني من مهرجان "ما بقى الّا نوصل" للفيلم (والذي يُعقد في مناطق مختلفة في لبنان)، رحب فيه المنظمون بعرض الفيلم ضمن فعاليات الدورة الخامسة من المهرجان. عندما قرأت عن المهرجان وجدت أننا نتشارك نفس المبادئ ونسعى للأهداف ذاتها؛ نريد حقاً أن نأخذ الأفلام إلى خارج المدن الكبرى حيث لا يحظى الجمهور بفرصة حضور العروض السينمائية والمشاركة في الندوات ومقابلة صناع الأفلام. لهذا السبب تحمّست كثيراً لعرض "عاش يا كابتن" ضمن فعاليات المهرجان، وبشكلٍ خاصٍ لحضور العروض التي نُظّمت خارج بيروت. سعدت جداً بعرض الفيلم بدار العجزة في مخيم شاتيلا. أعتقد أنه العرض المفضل بالنسبة لي إلى الآن. تأثرت كثيراً بردود الأفعال التي تلقيتها، لا سيّما عندما استذكرَت النساء اللاتي شاهدن الفيلم قصصهن الشخصية وكيف حملن الأسمنت والخفّان على أكتافهن لبناء المخيم قبل أعوامٍ كثيرة. إن هذه النقاشات التي يخلقها الفيلم مهمةٌ جداً في رأيي، فمن المهم أن تشعر النساء والفتيات في العالم العربي بأنهن لسن وحدهن. وبالنسبة للرجال العرب الذين لازالوا يعتقدون بأن النساء لا يمكنهن ممارسة الرياضة، فعسى أن تكون قصة كابتن رمضان وزبيبة نقطة تحولٍ لتصوراتهم.

    نحضّر حالياً لاطلاق اللعبة اللوحية "عاش يا كابتن" الذي عمل على تصميمها ستوديو "افريثينك" في بيروت. انهينا مرحلة التصميم وانطلقت مرحلة التجريب.

    تلقينا إلى الآن أكثر من 30 طلباً من منظماتٍ غير حكوميةٍ من كل أنحاء مصر، وخصوصاً من الصعيد في الجنوب. أطلقنا أولى جولات العروض الشهر الماضي في مصر العليا والمدن والقرى الجنوبية. نظّمنا 11 عرضاً للبالغين والأطفال في مدينة أسيوط والقرى المحيطة، كما عرضنا النسخة المخصّصة للأطفال التي يبلغ طولها 45 دقيقة في ملّاوي ونظّمنا ورش عمل وبرنامج خاص بالأطفال. ناقشنا المواضيع الرئيسية في الفيلم مع البنات والصبية وركزنا في النقاش على مواضيع مثل كيف يجب على المرء متابعة أحلامه، ما هو الحلم، ماذا يعني أن تكون صبياً أو فتاة، وكيف يؤثّر الجندر على قراراتك بطريقة سلبية أو إيجابية. بعد العودة من الجولة قمنا باعادة صياغة بعض أجزاء من الأداة التعليمية واستنتجنا أن نسخة الفيلم المخصّصة بالأطفال يجب أن تكون أقصر فقمنا باعداد نسخة جديدة من 32 دقيقة.

3- هل لك أن تخبرينا المزيد حول هذه النسخة الخاصة من الفيلم والتي تقع ضمن حزمةٍ متكاملةٍ من الوسائل التعليمية؟ هل سيقتصر استخدام هذه الحزمة على ورش العمل مع الأطفال؟ وهل سيصحبك أثناء ورش العمل هذه خبراء كالمعالجين النفسيين المختصين بالأطفال؟

  • م. ز.: بالتأكيد، يقع الفيلم ضمن حزمةٍ من الوسائل التعليمية التي تعمل على تصميمها في الوقت الراهن المعالجة النفسية المختصة نورهان إبراهيم، التي تعمل بشكلٍ أساسيٍ مع الأطفال وهي أيضاً استشاريةٌ في علم النفس التربوي ومطورة مناهج ومرشدةٌ حياتيةٌ للمراهقين. بالإضافة لتصميم هذه الحزمة من الوسائل، نعمل أيضاً على تطوير الفعاليات المختلفة لورش العمل والتي تستهدف الأطفال من خلفياتٍ وفئاتٍ عمريةٍ متنوعة. نوقن أن تنظيم ورشة عملٍ للأطفال في مدرسةٍ ابتدائيةٍ عامةٍ على سبيل المثال، يختلف بشكلٍ كبيرٍ عنه لتلاميذ بالتعليم الثانوي في نادٍ رياضيّ خاص. لذا نحاول أن نصمم هذه الحزمة من الوسائل التعليمية كمنهجٍ مفتوحٍ يُمكّن الميُسرين الذين يعملون مع الاطفال من الاختيار بين الأنشطة بحسب أرجحيتها. على سبيل المثال، قمنا بعرض الفيلم هنا بالإسكندرية في مدرسةٍ للاجئين السوريين والسودانيين بالتعاون مع مؤسسة كاريتاس والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تمحورت ورشة العمل التي تلت العرض حول ثيمة السعي لتحقيق الحلم، والتي شعرنا بأهميتها في هذا السياق.

    صُمّمت حزمة الوسائل التعليمية بحيث تسمح للميّسرين باختيار ما يرونه مناسباً لورشة العمل. نعمل مع بعض الميّسرين/ات ضمن فريق عملنا لنختبر ملاءمة الحزمة استباقياً. نتعامل مع مجموعاتٍ مختلفةٍ ونتعرف على انطباعاتها ومن ثمّ نعمل على تحديث حزمة الوسائل بما يلزم حتى تصبح جاهزة لورش العمل المقبلة.

4- ذكرت سابقاً أنك تذهبين إلى العرض للقاء الجمهور. هل تعتقدين أن هذه اللقاءات مفيدةٌ للجمهور بقدر ما هي مفيدةٌ بالنسبة لك؟ هل هي لقاءات يربح فيها الطرفان، أي تتعلمين من الجمهور بقدر ما يتعلم الجمهور منك؟

  • م. ز.: أجل، بالتأكيد. لم أتمكن على مدى العامين الماضيين، أو بالأحرى منذ بدء عرض الفيلم بالمهرجانات، من السفر للقاء الجمهور بنفسي. لذا كان من الرائع حقاً أن أقابل الجمهور أخيراً – التقيت الجمهور لمرةٍ واحدةٍ خلال مهرجان القاهرة السينمائي وكان ذلك رائعاً. كانت الرحلة إلى لبنان مثيرةً جداً، فهي المرة الأولى التي نعاين فيها أنا وسارة عبدالله، التي عملت على مونتاج الفيلم، جلسة أسئلةٍ وأجوبةٍ حقيقيةٍ نستمع فيها إلى انطباعات الجمهور ونتحدث إليه مباشرةً. فيما يخص مخيم شاتيلا، لم أذهب إلى هناك من قبل، وبالتأكيد كانت تلك تجربةً ملهمةً جداً بالنسبة لي. كمخرجةٍ وثائقيةٍ، تلهمني هذه التجارب الحقيقية للإخبار عنها في المستقبل. بالتأكيد كان لقاءً ربح فيه الطرفان. أنا محظوظةٌ جداً لأنني تمكنت من الذهاب إلى هناك ولقاء هؤلاء الرجال والنساء وحتى الأطفال الرائعين. نظمنا عروضاً أخرى للأطفال، في طرابلس على سبيل المثال مع جمعية رواد التنمية في منطقة باب التبانة، وأدهشني كيف استطاع الشباب هناك فهم التعقيدات المختلفة للقصة، وكيف أمكنهم طرح كل تلك الأسئلة الغنية. حظيت بنقاشٍ ثريٍ حول الثيمات المختلفة للفيلم وحول مشاعرنا أنا وفريق العمل أثناء تصوير كل مشهد. كان ذلك نقاشاً حافلاً.

    أتعلم شيئاً جديداً في كل جلسة أسئلةٍ وأجوبة. ضمّ العرض الذي نظمناه في كاريتاس بالإسكندرية قبل السفر إلى لبنان مجموعةً من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و15 سنة. تحدثت إحداهن عن التنمر الذي توجّب على زبيبة، الشخصية الرئيسية في الفيلم، أن تواجهه أثناء المباريات، وهو ما لم أكن قد لحظته من قبل رغم مشاهدتي للفيلم ملايين المرات وعملي على تصويره على مدى أربع سنوات. أدهشني كيف لاحظت هذه الفتاة ما عانته زبيبة من التنمر، وشعرت إنها لمست ذلك لأنها تختبره بطريقةٍ أو بأخرى في حياتها اليومية، بينما لم أعد أختبره أنا لأنني أكبر سناً. فكما نعلم جميعاً، يشكّل التنمر مشكلةً كبيرةً بالنسبة للمراهقين واليافعين وحتى عند البالغين أحياناً. كان ذلك شيئاً لم ألحظه من قبل في فيلمٍ قمت أنا بإخراجه ونبهتني له تلك الفتاة. لذا قررنا أن نضيف هذا الموضوع إلى حزمة الوسائل التعليمية. سنصمم نشاطاً تربوياً يلفت انتباه الأطفال إلى التنمر الذي عانت منه زبيبة في الفيلم.

5- ما هي خططك المستقبلية لـ"عاش يا كابتن"؟ وهل لك أن تطلعينا على بعض الأفكار التي خرجت من لقاءاتك مع الجمهور فيما يخص مشروع فيلمك الوثائقي المقبل؟

  • م. ز.: بالإضافة إلى العروض التي نود تنظيمها، أحاول أيضاً تنظيم جلساتٍ حوارية بمصاحبة العروض. قمنا بالفعل بتنظيم عددٍ من هذه الجلسات مع عرض الفيلم بسينما "زاوية" في القاهرة خلال الصيف الماضي. ومع إطلاق الفيلم بالقاهرة قمنا بعقد جلستين، كانت الأولى بحضور مجموعةٍ من الرياضيات المصريات اللاتي حققن إنجازاتٍ مهمةٍ في رياضاتهن. أتَيْنَ من رياضاتٍ مختلفة، وكنّ كلهن رياضياتٍ من الطراز الأول. كان معنا عبير عبد الرحمن وهي رافعة أثقال مصريةٌ حصدت ميداليات أولمبية مرتين، وتدربت في واقع الحال على يد كابتن رمضان، ورغم أنها لم تظهر بشخصها في الفيلم، إلا أن ذكرها تكرر مراتٍ عدّة خلال القصة. كذلك حضرت الجلسة شيماء سامي وهي بطلةٌ أولمبية في ثلاث رياضاتٍ مختلفة، وحاصلةٌ على الميدالية البرونزية عام 2013. كانت هناك أيضاً نهلة سامح وهي لاعبةٌ بالمنتخب الوطني المصري للكرة الطائرة وكابتن الفريق النسائي للكرة الطائرة بالنادي الأهلي، بالإضافة إلى لما الشبراوي وهي حارسة مرمى الفريق النسائي لكرة اليد بالنادي الأهلي سابقاً ونادي الجزيرة حالياً.

    عقدنا هذه الجلسة الحوارية بعد عرض الفيلم، وتناولت كلٌ من البطلات مسيرتها كرياضيةٍ في مصر، وكيف رأت كلّ منهن قصتها الشخصية في قصة زبيبة. بعضهن عضوات في النادي الأهلي، وإحداهن بطلةٌ أوليمبية، لذا علّقن على جوانب مختلفة من القصة وكان تفاعل الجمهور معهن رائعاً. كان من المهم بالنسبة لي أن يعرف الجمهور أن قصة زبيبة هي قصة كل الرياضيات في مصر والمنطقة العربية.

    نخطط لجلسةٍ حواريةٍ أخرى حول التغذية، إلا أن تفاصيلها لم تزل قيد الدرس. كذلك مع إطلاق الفيلم بكندا، عقدنا جلسة حوارية بحضور السبّاحة الكندية الأوليمبية هيلاري كولدويل، والتي تحدثت عن رحلة صعودها كرياضيةٍ في كندا، في قصةٍ لا تختلف كثيراً عن قصة زبيبة.

    أعتقد أن هذه الجلسات مهمةٌ جداً وأتمنى أن تتواصل. نظمنا أيضاً ماراثون المدينة، وهو ماراثون تزامن مع إطلاق الفيلم في صالات العرض بالإسكندرية، بالإضافة إلى عرضه مع فريق التجديف بالقاهرة. وعلى هذا المنوال نخطط لفعالياتٍ رياضيةٍ أخرى بمصاحبة عرض الفيلم.

    أتمنى أن نحظى بمزيدٍ من هذه الفعاليات مع جمهورٍ من رياضاتٍ مختلفةٍ، كما أتمنى أن يُعرض الفيلم في النوادي الرياضية وللفرق الرياضية على تنوّعها. أعتقد أن ذلك سيكون ملهماً جداً. فقد لمست بنفسي كيف ترى الرياضيات قصصهن من خلال الفيلم. وهذا جانبٌ آخر من خطة الفيلم للتأثير التي نعمل عليها، والتي تحظى بدعمٍ من صندوق بيروت دي سي للتأثير ومؤسسة إنترناشونال ميديا سابورت الدنماركية. كذلك أنجز مونتاج النسخة المخصصة للإطفال من الفيلم بدعمٍ من المبادرة الدنماركية المصرية للحوار.

    وفيما يخص مشروعي الوثائقي المقبل، لدي فكرةٌ أعمل عليها الآن، إلا أنني لم أشرع بتنفيذها بعد. وأتمنى لو أبدأ العمل عليها قريباً. في الوقت ذاته، آمل أن تكون نسخة الفيلم المخصصة للأطفال وحزمة الأدوات التعليمية المصاحبة لها قابلةً للاستخدام بدوني، وأن يحظى الفيلم بحياةٍ مستقلةٍ قريباً.

ملاحظة: يمكن للمنظمات غير الحكومية الراغبة في عرض الفيلم ملء هذا الطلب على الموقع الإلكتروني للفيلم وإرساله لطلب عرض الفيلم.