رسالة المديرة التنفيذية

لإدارة مؤسسة بحجم الصندوق العربي للفنون والثقافة "آفاق"، على المرء أن يتحلى بالشغف والمسؤولية. قد تكون مؤسستنا حديثة، إلا أنها باتت راسخة اليوم ومعترف بها على نطاق واسع؛ مؤسسة متوسطة الحجم لكن بدور فعال في المشهد الثقافي ومشهد الفنون المستقلة على امتداد المنطقة العربية والمهجر كذلك. وبنظرة سريعة على مسيرتنا المهنية خلال السنوات العشر الماضية، وعملنا مع فنانين ممن استفادوا من منحٍ، ولجان تحكيم، وجهات داعمة، وأعضاء مجلس إدارة وشركاء ومشتغلين في المجال الثقافي، يبقى أن ما تلقيناه من ردود فعل خلال السنوات العشر الماضية، غامراً في حميميته وصدقه تقديراً للأثر الذي تركته آفاق والمعايير المهنية التي وضعتها. 

لطالما حرصنا على البقاء شريكاً متمايزاً ومساهماً ثريّ في دفع عجلة الإبداع الذي تشهده المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمان. أما الفنانون الذين حظيوا بدعمنا، فمعروفون بدورهم في الدفاع، وبثبات، عن حرية التعبير والتسامح والعدالة. هؤلاء الفنانون، اجتهدوا لانجاز أعمال فنية تحمل في طياتها خطاباً جديد يرقى إلى مستوى التحديات والصعوبات التي تعصف بمنطقتنا، مواجهين بذلك الخطاب المضاد الاختزالي والصورة السلبية التي تروج لها وسائل الإعلام السائدة. نحن، وبفضل الثقة التي وضعها بين أيدينا هؤلاء الفنانون والمثقفون، لا نزال عند إيماننا بأن النشاط في المجال الإبداعي سيخلّف دوماً تأثيراً بالغ ومغزى عميق. وإننا على ثقة تامة، من أن دعمنا للمنابر الفنية والمشاريع التي تجس نبض الخيال ونبض التعبيرِ الإبداعي وتتعمق في استكشافهما، هي مفتاح التحوّل نحو تصورات مختلفة ووجهات نظر جديدة.  

هذا التأكيد الجمعي على الدور الحيوي لآفاق في خلق فضاءات للفنانين، بما يسمح بتطوير مشاريعهم وتجربتها وبحثها في العمق، يحثنا على استكمال مشوارنا وبالزخم نفسه، لكنه يدعو كذلك للتأمل في السبل التي يمكن من خلالها وضع آفاق في سياق أكثر اتساعاً. نحن سنواصل سياستنا في جسّ نبض المشهد الفني والثقافي والسعي للحفاظ على منهجنا في الاستجابة لما يمثل أمامنا من حقائق وأولويات.  

لقد بذلنا خلال السنوات العشر الماضية، مجهوداً كبيراً، ما بين دراسة أكثر من  10,000طلب، وتقرير المشاريع الفنية التي نالت المنح، والبالغة 1,130 مشروعاً حتى هذه اللحظة. لكننا واثقون من أنه سيكون بامكاننا إنجاز ما يفوق ذلك، إذا ما لقينا دعماً أكبر. فالهدف الذي وضعناه نصب أعيننا، يتمثل في توزيع المنح على نطاق أوسع، وأن تصل أيدينا إلى أبعد نقطة ممكنة، بالبناء على ما تحقق بالسنوات العشر الأولى. نحن نسعى اليوم لتشجيع كافة البحوث المتعلقة بمجالي الفنون والثقافة بشكل لا يولد المعرفة وحسب بل يراكمها كذلك. كما إننا نعتزم منح المؤسسات الثقافية المختلفة كل ما يلزم من توجيه ودعم لتعزيز الإبتكار والقدرة على إنجاز المشاريع. كذلك فإننا نطمح إلى إنشاء برامج تدعم بعض الأشكال الفنية التي لا تزال تحت التطوير كالكتابة الإبداعية والنقدية. طموحنا يتمثل في تحقيق هذه الأهداف، وما قد يتجاوزها، خلال السنوات المقبلة، باعتمادنا شبكة أوسع من الداعمين الذين سيكون بامكانهم، وإن بالقليل، مرافقتنا، في هذا المشوار الطويل.

وختاماً، لا يسعنا إلا أن نعبر عن تقديرنا البالغ لداعمينا الأسخياء - أفراداً ومؤسسات – لولاهم، لصعُبَ نسج هذا المشهد الذي يمتاز اليوم بكونه مستقلاً؛ كما أن ما يبديه الجميع، فنانون ومؤسسات، من شغف وإصرار على المشاركة يخلّف في نفوسنا دوماً إعجاباً ودهشة كبيرين. لا بد أيضاً من الإشادة ببصيرة وفطنة المحكِّمين الذين عملوا معنا. فالاستثمار في مهمتنا هو استثمار في مستقبل منطقتنا وتمكين القطاع الإبداعي الذي بات حاضراً اليوم أكثر من أي وقت مضى، بوصفه المساحة الوحيدة الممكنة للحوار، النقد، التنوع، كما التسامح والتفاهم. 



ريما المسمار، كانون الأول/ديسمبر 2018