رسالة رئيس مجلس الأمناء

أتذكر جيداً اليوم الذي قررنا فيه إطلاق مبادرة آفاق. بدت فكرةُ إنشاء فضاء إبداعي وإيجاد وسائل تتيح المجال للفنون المستقلة والثقافة للازدهار، ضرباً من الحلم في ذلك الوقت. لكن عشر سنوات قد مضت على تلك اللحظة، ولا يزال الحماس الذي دفع فاعلي الخير من داعمي الثقافة ومحبيها، ودفعني لإطلاق هذه المبادرة الاحترافية لتوفير المنح، متقداً في نفوسنا وبذات النبض، آملاً أن تعبر شعلة الحماس هذه إلى نفوس آخرين!

عشر سنوات من العمل مع مساهمين، ولجان تحكيم ومستفيدين، حصيلته اليوم أكثر من ألف عمل مثير للدهشة ما بين فنون وممارسات ثقافية مختلفة اختيرت من بين 10,000 طلب من جميع أنحاء المنطقة العربية والمهجر. إن الجرأة في سبر أغوار القضايا وتوقيتها الموفق والتركيز على المسائل الحرجة ينبِّهنا إلى امكانيات الخيال، والتأمل، كما الاستمتاع والتغيير. ومما لا شك فيه، هو أن القوة الدافعة لهذه المبادرة وبصمتها قائمتان بوضوح. مع ذلك، فإن ليس بمقدورنا أن نلبي سوى ما يزيد قليلاً على الـ10 في المائة من الطلبات المقدمة. لكننا سنبذل كل ما في وسعنا، خلال السنوات العشر القادمة، لاستنفار المزيد من الداعمين والمانحين، أفراداً ومؤسسات، بما يوسع رقعة فرص الإبداع في المنطقة بشكل مطرد. 

صحيح أن العالم العربي يضج اليوم بالتحديات ويكثر فيه التطرف والعنف، لكنه قادر أيضاً على إعادة انتاج نفسه. فالتعبير بالإبداع وهو وسيلة بالغة الأثر، يحتاج منا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، كل ما يلزم من تأييد ودعم. كما إن تمكين النتاج الثقافي المستقل مسألة حاسمة إذا ما أردنا خلق مجتمعات عربية نابضة بالحياة. إذ إننا وبدعمنا غير المشروط لحرية الإبداع، نجهِّز الأرضية لولادة الفكر النقدي، والالتزام المجتمعي وعلى نحو شامل، كما نعكس بذلك تقديرنا للتمايز وتبنّينا لتعزيز التعاون بين الثقافات. هذه المبادرات تُمتِّن فهمنا للحقائق المعقدة، وتعمِّقه، بما يتجاوز الصورة الاختزالية التي تبثها وسائل الإعلام الرئيسة وتعممها. سيكون وقع النتاج الثقافي أكثر عمقاً عندما يتم تقاسمه مع جمهور أعرض وعلى نطاق أكثر اتساعاً. فالقدرة على تحفيز التعبير والتفكير نقدياً هي هائلة اليوم. كما الفرصة التي من خلالها يمكن للفنانين الشباب، المبتدئين والناشطين بشغف، كما للمؤسسات المشاركة، أن يتركوا عظيم الأثر في مجتمعاتهم. 

وفيما نواصل الاستثمار في التعبير الإبداعي كتمثيل لايماننا العميق بأنه السبيل الأجدى لمجابهة القسوة التي يفرضها واقعنا اليوم، ولبعث الإلهام والرؤى الجديدة في نبض العالم العربي، سيكون هدفنا في السنوات العشر المقبلة، متمحوراً في مواصلة الجهود لتكثيف المعرفة وبناء الشبكات ودعم الأصوات المستقلة التي تولدها مبادرات فنية وثقافية. وهل ثمة وسيلة أجدى من الفن والثقافة، لإضفاء معنى للعالم، والالتزام بالقضايا الأقرب إلى قلوبنا، وتوسيع فضاء الممكن أمامنا؟



غسّان سلامة، كانون الأول/ديسمبر 2018